مشكلة كبيرة عندما
تولد ووالدك قامة فكرية أو سياسية أو دينية كبيرة ، وصاحب حضور طاغ في دنيا الناس
، مشكلة أن تحاول الخروج من جلبابه ، من عباءة شهرته ، وأن تخرج من ظله الظليل ،
وتقول : ها أنا ذا !
هذه الحالات ، وقد
تكررت مع شخصيات مرموقة عديدة في الحياة الثقافية والدينية والسياسية العربية ،
تؤدي أحيانا إلى نوع من التمرد على وجهة الأب وتوجهاته ، سواء الفكرية أو الدينية
أو السياسية ، بنوازع من إثبات الذات أكثر منها اختلاف حقيقي في الخبرات الإنسانية
والاختيارات الفكرية أو غيرها .
قبل حوالي عشرين عاما
أصدرت في القاهرة مجلة فكرية فصيلة اسمها "المنار الجديد" ، وكان الهدف
منها أن تكون جسرا فكريا للحوار بين التيارات الفكرية العربية ، من أقصى اليمين
إلى أقصى اليسار ، من القوميين إلى الليبراليين إلى اليسار إلى الإسلاميين ،
وقطعنا شوطا كبيرا فيها بالفعل ، وحدثت عبرها مناظرات رصينة بين شخصيات فكرية من
العيار الثقيل ، وكان لها حضور في الأوساط الثقافية في أكثر من عاصمة عربية بالفعل
.
ذات يوم أرسل إلينا
المفكر الكبير الدكتور جلال أمين مقالا للنشر ، أو ردا على أحدهم ، وجلال من رموز
الفكر المصري الحديث بالفعل ، ومن رموز اليسار المصري الكبار ، ومفكر اقتصادي
اجتماعي من طراز رفيع ، وهو ابن قامة فكرية كبيرة أيضا ، من رموز الفكر المصري
والعربي ، وهو الأستاذ أحمد أمين ، رحمه الله ، صاحب "فجر الإسلام" .
نشرنا المقال ، ومعه
اسم الكاتب "د.جلال أحمد أمين" ، وبعد أيام كان اتصال حاد يأتيني من
الدكتور جلال ، يعاتبني فيه بشدة على كتابة الاسم بهذه الطريقة ، ويقول : أنا
أرسلت لكم المقال باسم "جلال أمين" ، من أين أتيتم باسم "جلال أحمد
أمين" ، قدمت له اعتذارا كافيا وقتها ، لأنه كان محقا ، لأنه بالفعل أرسل
الاسم "جلال أمين" ، ومن يومها ونحن نلتزم باسم الكاتب كما كتبه ، تحاشيا
لأي لبس .
جلال قامة فكرية
كبيرة ، وأبوه قامة فكرية أرفع وطبقت شهرتها الآفاق ، لكن جلال مفكر بذاته ،
ومشهور بذاته ، ولا يحتاج إلى إضافة اسم أبيه إلى اسمه لكي يعرفه الناس ، أو يقدره
القارئ ، أو يضعه في موضعه اللائق ، هو المفكر جلال أمين ، وليس المفكر جلال ابن
أحمد أمين .
الالتباس نفسه حدث
عندما نشرنا قصيدة للشاعر المرموق "عبد الرحمن يوسف" ، وعبد الرحمن شاعر
موهوب ومؤسس لغويا بمستوى رائع ، وهو شاعر معروف خاصة في وسط النخبة السياسية
المصرية ، عندما نشرنا القصيدة كتبنا أمامها الاسم "عبد الرحمن يوسف
القرضاوي" ، وغضب الشاعر المرموق وقتها بشدة ، وعنفنا قائلا : أنا كتبت الاسم
: عبد الرحمن يوسف ، لماذا تجتهدون بالزيادة ؟ من سمح لكم بذلك ؟ ، طبعا اعتذرنا
له أيضا ، لأنه بالفعل أرسل الاسم كذلك .
عبد الرحمن شاعر
مرموق ، لكنه ابن علم من أعلام الفكر والثقافة والعلوم الدينية وهو العلامة الشيخ
يوسف القرضاوي ، لكنه لا يريد أن يظل عمره كله رهينا بالاتكاء على رمزية الوالد أو
شهرته أو حضوره الكبير ، ومن حقه أن يخرج من "جلباب الرمز" وأن يقول :
ها أنا ذا ، وهو بالفعل كون شخصية متفردة في عالم الثقافة والأدب ، هو عبد الرحمن
يوسف ، وليس عبد الرحمن ابن يوسف القرضاوي .
هذه الأزمة تتحول
أحيانا إلى ردات فعل عكسية تماما ، وهو ما حدث مع رمز ديني كبير ، وهو الشيخ عبد
اللطيف المشتهري ، رحمه الله ، وكان رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة
المحمدية ، وكان لها قديما وهج كبير وحضور كبير في الحالة الدينية والوسط السلفي
بشكل خاص ، وكان رئيس الجمعية يطلق عليه لقب عرفي في مصر وهو "إمام أهل
السنة" ، والشيخ عبد اللطيف كان له ـ شخصيا ـ حضور كبير ، بمؤلفاته ومحاضراته
وجولاته في عموم مصر .
الدكتور محمد عبد
اللطيف ، ابن الشيخ المشتهري ، اتخذ طريقا عكس والده تماما ، إذ أنه أنكر حجية
السنة ، وشكك فيها ، واعتبر أن القرآن وحده هو مرجعية المسلمين ، وأصبح أحد كبار
من يسمون بالقرآنيين "منكري السنة" ، وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة ،
فرؤية القرآنيين شديدة السطحية وتفتقر إلى الأدلة العلمية الرصينة ، لكن الشاهد ،
أن نزعة "الإبن" للخروج من "جلباب الأب" ، مع غياب الملكات
المتفردة ، دفعه لنقض دعوة أبيه وأفكاره وما كان يؤمن به تماما .
غرائب حساسية
المثقفين لا تتوقف عند الخروج من "جلباب الأب" ، بل تتصل أحيانا بتقديرات
تستعصي على الاستيعاب لمن لم يكن على تماس مع أصحابها ، وكانت الأديبة الكبيرة
صافي ناز كاظم ، تغضب غضبا عارما ، ويمكن أن يصل للقطيعة مع أي مجلة أو صحيفة تكتب
اسمها أمام مقالاتها باسم "صافيناز" ، بالأحرف مشبوكة ، فهي حريصة بجدية
تامة على أن تكتب مفردة هكذا "صافي ناز" ، وإذا تكررت من الصحيفة أو
المجلة فاعرف مسبقا أنها ستكون قطيعة العمر ولن تتواصل معهم بعدها أبدا ، قد يصعب
على القارئ استيعاب وجه الخلاف بدقة ، أو أهميته ، هي أمور لا تقبل النقاش ، نفذ
ولا تتظلم !

بعد طلاقها من فنان شهير .. حادث مروع لإعلامية مصرية شهيرة
2021-01-27 09:13 ص
"تسمم جماعي".. سلوفينيا تهاجم تنظيم مصر لمونديال اليد
2021-01-25 07:32 م